الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث تدخّلت مسؤولة البريد لتهدئة الخواطر، فسدّد لها الحريف لكمة قاضية!

نشر في  11 مارس 2015  (10:09)

لن نذيع سرّا إذا قلنا انّ البلاد تعيش ـ ومنذ سنوات ـ حالة من الفوضى العارمة تتّسم بالانحرافات والتجاوزات والاعتداءات المتلاحقة على الموظّفين العموميين سواء لفظيّا أو حتى جسديا بما يجسّد المثل العامّي الشائع شيوع النار في الهشيم «العزري أقوى من سيدو»..
وفي هذا السياق جدّت بعد ظهر يوم الاربعاء الماضي حادثة في منتهى الغرابة كان مكتب بريد باب الخضراء مسرحا لها.. فقد تقدّم شاب لاستخلاص حوالة بريدية تابعة لـ«الكنام» (صندوق التأمين على المرض)، وعوض أن يستظهر ببطاقة التعريف الوطنيّة قدّم نسخة منها، وبما أنّ ذلك مخالف للقوانين، اعتذرت الموظفة عن تمكينه من حاجته، وعبثا حاولت إقناعه، بل انّه استشاط غضبا وتعالى صياحه ليتحوّل إلى «عنتر شايل سيفو».. ولوضع حدّ لهيجانه وثورته وحتى لا يزيد غليانه تأجّجا، تدخّلت المسؤولة عن الشّبابيك، السيدة إنصاف، المعروفة بدماثة أخلاقها وحرفيتها، لتهدئة الخواطر وقطع الطريق على ما قد لا تحمد عقباه.. تدخّلت بالحسنى لعلّها تفلح في إقناع «الثور الهائج» بأنّ تعليمات الإدارة واضحة وصارمة في مثل هذه الحال.. ورغم أنّها كانت في منتهى اللياقة والأدب، سوّلت له نفسه الأمّارة بالسوء بأن يسدّد لها لكمة تركتها طريحة الأرض ليغمى عليها، فحملت على جناح السرعة والدماء تنزف منها الى مستشفى شارل نيكول حيث تلقّت الاسعافات وحظيت بالرعاية الطبّية اللازمة وأمّا الجاني فقد لاذ بالفرار دون أن يخلف ما يمكن من تعقبه والقبض عليه.. وتجدر الإشارة الى أنّ اللكمة أو اللكمات أدّت الى تورّم أجزاء من الوجه، كما خلّفت رضوضا وآثارا..
وبعد أن أعادت علينا السيدة إنصاف الوقائع بكلّ أمانة، أعربت عن شكرها وامتنانها للسيد نعمان الفهري وزير الاتصالات الذي أبى الاّ أن يتّصل بها هاتفيا للسؤال عن صحّتها ومواساتها والتعبير لها عن تعاطفه معها في محنتها.. كما أشادت السيد إنصاف بالإحاطة والرّعاية اللتين حظيت بهما من قبل رئيس المكتب، وكذلك من زملائها في المكتب وفي كلّ المكاتب من بنزرت الى تطاوين..
..وبنفس الحرارة وآيات العرفان، أشادت السيدة إنصاف بموقف نقابة البريد، فقد ساندها أعضاؤها مساندة غير مشروطة وتضامنوا معها وآزروها مطالبين بحماية أكبر لموظفي البريد عند مباشرتهم لعملهم، وقالت المسؤولة المتضرّرة:«هذا الموقف النّبيل الرائع لن أنساه أبدا»، وفي المقابل استغربت موقف بعض المسؤولين، فلئن تعاطفوا معها وشجبوا الاعتداء فانّ تعليقهم على الحادثة لم يكن في مستوى بشاعة الجريمة، وإلاّ هل يعقل أن يقول بعضهم:«يصير حتّى ع الرجال»!! وهنا نستحضر المثل العربي المعروف «فقه برد أغيظ لنا من شعر بشار»..

نجيب